-A +A
تركي العسيري
كنت ولم أزل من أكثر المؤمنين والمقدرين لعمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودورها في صيانة المجتمع من الانحرافات السلوكية والعقدية.. وقد سبق أن كتبت عن الهيئة في عدد سابق من «عكاظ» موضوعاً بعنوان: «الهيئة.. المشكلة والحل»، وطرحت من خلاله بعض الاقتراحات التي أرى أنها ستسهم في إنجاح عملها، وإزالة اللبس والضرر الذي يسببه بعض أفرادها والذي يفضي بعضه إلى الوفاة، ولعل الحوادث المتتالية التي تطالعنا بها الصحف تدل على وجود خلل ما في عمل هذا الجهاز، فالملاحظ أن بعض أفراد الهيئة لا يتقيدون بالتعليمات التي تصدر من الجهات المسؤولة عنهم.. من ذلك ما ذكره معالي الشيخ/ إبراهيم الغيث الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في لقاء معه بـ«عكاظ» عدد (15181): من «أن المطاردة ممنوعة بكل المقاييس، وأن هناك تعاميم وتعليمات وقع عليها جميع منسوبي الهيئة لأنه ثبت عملياً وعلمياً أن أضرارها أكثر من نفعها وأن فيها إزهاقاً للأرواح».
والكلام مثالي ومسؤولي.. غير أن ما نقرأه من «مطاردة» بعض أفراد الهيئة التي سببت الوفاة كحادثة احتراق شاب وفتاة على طريق المدينة- تبوك، وحادثة المدينة الأخيرة.. وغيرها من الحوادث، تدل على عدم تقيد بعض منسوبي الهيئة بالتعليمات، ناهيك عن القضايا الأخرى التي لا تزال تنظر في المحاكم.. وهي قضايا مؤلمة تسيء إلى سمعة المملكة في الخارج؛ ومهما حاولنا أن نلبسها ثوب التصرفات الفردية إلا أنها تظل تصرفات خطيرة تمس حياة المواطنين والمقيمين وتتسبب في وفاتهم، والمشكلة في تقديري تكمن حين تتحول «الهيئة» التي يقوم عملها أصلاً على المناصحة والإنكار باللين والقول الحسن.. إلى جهاز يملك صلاحية المراقبة والتحقيق والمطاردة والاقتحام، والاستعانة بمخبرين سريين، أي أنها تضطلع بعمل أجهزة حكومية متعددة، وهو أمر يتنافى -كما أفهم على الأقل- مع وظيفتها الأساسية كحارسة للقيم والفضيلة وناهية عن المنكر والانحراف.

والمشكلة الأخرى -في رأيي- هي في توظيفها بعض الشباب الذين يفتقدون إلى حكمة (الشيوخ) في التعامل مع المواقف الطارئة.. مما يحدث الكثير من التجاوزات والمشاكل، وأعتقد أن الهيئة لو قامت بتوظيف بعض المتقاعدين من المشهود لهم بالصلاح والحكمة من مواطنين وأساتذة جامعات ومدارس لكان ذلك أجدى وأنفع.. فالشباب لا يتقبل النصح ممن يماثله في السن.. ولكنه يقبله من الشيخ الوقور ذي النصح الأبوي.
ثمة أمر ينبغي أن ننبه منسوبي الهيئة إليه، وهو أن المخالفات الشرعية من زنى وشرب خمر، وقمار، وغيرها كانت موجودة في العصر النبوي على جلال قدره، وقربه من فجر الإسلام الحق، وليس أمراً طارئاً، فحيثما كان هناك مجتمع انساني كان هناك الخير والشر.. لذلك فإن علينا أن نتعامل مع كل هذه الظواهر والتصرفات المشينة بقدر من الحكمة والفهم والهدوء ولا أقول التساهل.. حتى نستطيع أن نحقق النتائج التي نرجوها.
فيا معالي الدكتور إبراهيم.. أنا والله أحبك، وأقدر جهدك، وأعرف فضلك وعملك وحكمتك وسعة صدرك، فهلا أعدت لهذا الجهاز محبة الناس، وقضيت على تجاوزات بعض أفراده، وأخذت من أخيك هذه المقترحات التي تصدر من قلب رجل مهموم بسمعة هذا الدين، وسمعة هذا الوطن، وسمعة هذا الجهاز الذي نريده بحق، حارساً للفضيلة والقيم بالكلمة الطيبة، والفعل اللين.. «وإني والله لكم لناصح أمين»!!
تلفاكس 076221413